وفي السؤال تكمن الإجابة ..ربما!
- Zarqa
- Nov 9, 2018
- 4 min read

.الأسئلة من أهم أدوات التعلم وفهم العالم
ومن أوضح الأمثلة على ذلك فترة نمو الأطفال التي عادةً ما تتعدد فيها أسئلتهم عن جميع الأشياء. في هذه الفترة، يفتقد
الأطفال لحاسة الإدراك، ولهذا يزداد فضولهم ورغبتهم في اكتشاف العالم من حولهم، فتجدهم يسألون عن أبسط الأشياء، مثل طبيعة ما يأكلونه وما يرونه وما يسمعونه.
وكلما تقدمنا في العمر، تقل الأسئلة. نتعرَّف على عالم التعليم، وفيه نتعرّض لمجموعة من الأسئلة المنظَّمة والمُعدة لنا سلفًا، ونتعلّم طرح الأسئلة الصحيحة؛ أسئلة وضعَت لنا بعناية لكي نحصل على إجابات بعينها، نطرحها وننتظر إجاباتها، وفي أحيان كثيرة نمتلك فكرة مسبقة عن إجابة السؤال الذي طرحناه
الأسئلة من أكثر الأشياء في الحياة التي لا يقدّرها الناس حق قدرها. ثمة مواقف كثيرة إن لم تسأل فيها عن أبسط الأشياء
الموجودة في الحياة ستجد نفسَك عالقًا في حلقة مفرغة، عاجزًا عن التحرك. إن امتنعنا عن السؤال بسبب خشيتنا من الإجابة، فامتناعنا في هذه الحالة مرده إلى الخوف. ولعل الأسئلة التي نكره طرحها بشدة هي تلك الأسئلة التي نخشى سماع أجوبتها.
أؤمن أن الأسئلة أداة لفهم طبيعة الحياة التي لا تكفّ عن التغيير، وهي وسيلة لتحسين قراراتنا. لو نظرنا إلى التاريخ سنجد
أن عددًا من أهم الاكتشافات بدأت بطرح الأسئلة الصحيحة. فالأسئلة تساعدنا في التوصل لحلول للمشكلات وتحسين حياتنا وحياة الآخرين
.وهذا يدعوني للتفكير في أن الأسئلة قد تكتسب أهمية في الحياة تفوق أهمية الإجابة نفسها
وأهمية الأسئلة لا تقل في مجال من مجالات الحياة عن الآخر، فأهميتها في المجال التعليمي كالاجتماعي والشخصي
والثقافي والديني؛ فبالأسئلة نطور المعلومات التي نتلقاها ونفهمها. إن لم نسأل واتبعنا ما يُقال لنا بدون هدى وبدون مشاركة في التغيير الذي يُفرَض علينا، سنصير أداة للتغيير بدلًا من أن نكون صُنَّاعه.
إننا نحيا في عالمٍ لا نجد فيه من يشجعنا على طرح الأسئلة إلا نادرًا، ويظهر ذلك بوضوح في مجتمعات بعينها تدفعُ أبناءها تجاه الالتزام بالطاعة حفاظًا على نسق وتراتبيات وعادات محددة. وفي أحيان كثيرة، لا تجد إجابة لما تطرحه من أسئلة، لأن من تسأله لم يعتد لا هو ولا غيره على تلقي الأسئلة.
على المستوى الشخصي، لدي نزعة للتساؤل عن كل ما يُقال لي. فمن صغري وأنا لدي فضول لمعرفة السبب وراء فعل الأشياء بالطريقة التي تُؤدى بها.
لماذا نؤمن بأشياء محددة ولماذا نتصرف بطريقة بعينها. دائمًا ما أطرح أسئلة من قبيل: لماذا عليّ أن أتعلم هذا؟ أو لماذا ينبغي أن أرتدي على هذا النحو؟ لماذا لا أستطيع اللعب في الخارج عندما أصل إلى عمر محدد؟ أو الضحك بصوت صاخب؟
كان لديَّ فضول غريزي لمعرفة مبررات أفعالنا. كنت أبحث عن معرفة السبب وراء أفعالنا قبل أن أُقدِم على فعلها. بعبارة أخرى، أردت أن أقتنع بالسبب الذي لأجله أفعل هذا الشيء تحديدًا. لقد أشبع ذلك فضولي، ودفعني في الوقت نفسه للبحث عن بديل آخر إن لم أقتنع بما يُقال لي.
كبرتُ وظل هذا السلوك ملازمًا لي، اعتدت أن أنظر للأشياء وأتساءل: ولمَ لا؟
كل عادة اجتماعية، كل قانون، كل توجّه كان يُساقُ لي على نحو يفرض عليّ اتباعه أو الالتزام به نوعًا ما، كنت استفسر عنه، لم يكن استفساري نابعًا من رفضي للموروث الثقافي والاجتماعي بشتى صوره، بل رغبتي في معرفة أسباب هذا الموروث وفهمه والوقوف على منطقه ومدى أهميته كانت هي الدافع الذي يحركني. كانت بعض الأسباب منطقية، ولكن معظمها كان يفتقر للمنطق. وجدت أن بعض العادات لها جذور ضاربة في التاريخ، ومن هنا فهمت السبب وراء ممارسة عادات بعينها.
لقد نشأت في مجتمع محب للمظاهر، ومادام الآخرون يرونك راضيًا ومتقبلاً لأفعال محددة، بغض النظر عن اقتناعك بها من عدمه، فأنت بخير. كنت أرى مشكلة في العجز عن الإدلاء بآرائي حول موضوعات تعتبر حسَّاسة، مثل الزواج وهياكل السلطة الأبوية والأعراف الثقافية والمعايير المزدوجة وكل شيء. لم أفهم هذا النوع من الطاعة العمياء. نزعتي نحو السؤال جعلتني غريبة وسط هؤلاء الذين لا يرون مشكلة في قبول وتصديق كل ما يُقال لهم دون اقتناع شخصي. وكل تبرير يُرَد بشكل أو بآخر إلى الدين؛ فالدين هو البديل الذي كان يستخدم لإخراس أي صوت مغاير.
ولكن لي رأي مختلف، فالإسلام لم يأمر بالطاعة العمياء، بل يحث المرء على التفكير والفهم قبل الإيمان. والفهم لا يأتي إلا بالسؤال. لو نظرنا للدين، فسنرى أن السؤال كان إحدى الخطوات الأولى في رحلة الإسلام. بدأ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالتساؤل عن أشياء في محيط مجتمعه، تساءل عن قيم وأخلاق من حوله ليخرجهم من عصر الجهل، دفعهم لإعادة التفكير في معتقداتهم وتراثهم وعاداتهم التي كانوا أوفياء لها. وبالسؤال، استطاع أن يتصدى لجميع أخطاء وآثام الناس في هذا العصر.
يُنظَر اليوم لموضوع التساؤل من عدسات جندرية، لأننا نعيش في مجتمع أبوي محافظ. أحاول دائمًا أن أقحم موضوع الجندر في نقاشاتي لأن كل ما يدور في عالمي تقريبًا مختلف سواء للرجل أو للمرأة. يُعلّمون النساء غالبًا أن تخفض أصواتها أو تمتنع عن الأسئلة الكثيرة باعتبار ذلك صفة غير محببة في المرأة. ويُنظَر للنساء عامة بأنهن الطرف المتلقي. عندما كنت فتاة صغيرة، كان يُطلَب مني الالتزام بنفس هذه التعليمات؛ فالفضول الزائد عن الحد كان يُعتبر ضربًا من الوقاحة عند النساء، أما الرجال فكان بالنسبة لهم علامة على الفكر والرجولة والنضج وما شابه.
وفي نظرة تحليلية للماضي يمكنني الآن أن أختتم بالقول إن جميع هذه القواعد والضوابط والتربية الجندرية التي تعوق الفضول بدلاً من تعزيزه تسهم في تدريب الأطفال، ولاسيما البنات، على أن يكونوا تابعين لا قادة. إنها تحد نموهم وتعوق تجربتهم في الحياة. نحن نخشى التغيير أشد ما تكون الخشية، لذا نوصد في وجهه كل الأبواب. إن أول وأكبر خطوة في طريق التغيير هي السؤال، والتغيير لا مفر منه، ولكننا نفضل فرضه بدلاً من صناعته.
.يخيفني كثرة الناس التي تؤمن إيمانًا عميقًا بما تفعله دون معرفة أي منطق يبرر قيامهم بهذا الفعل
يتخذ الناس موقفًا دفاعيًا إذا ما طال السؤال معتقداتهم، أو طريقتهم المعتادة لفعل الأشياء، والسبب أنهم أنفسهم لا يعلمون سبب أدائهم لما يمارسونه، والنتيجة هي الاعتقاد بأن رأيًا بعينه هو الحقيقة المطلقة أو الطريقة المثلى لفعل الأشياء. ولهذا يظل كثير من الناس دون تغيير، بلا تطور أو نمو.
.طرح الأسئلة المفتاحُ لتحسين ذاتك ومعرفتها، وتنبئنا الحياة أن الإجابة أحيانًا تكمن في السؤال
Comments