تناقض المجتمع
- زرقاء
- Dec 20, 2018
- 3 min read

.نعيش في مجتمع يغدو فيه التافه عظيمًا، والعظيم تافهًا، والصغير كبيرًا، والكبير صغيرًا
كلما تقدمتُ في العمر، يُزيدني مفهوم المجتمع ارتباكًا. لم أتوقف يومًا عن الاندهاش من فكرة تكريسنا قدرًا كبيرًا
من حياتنا لبيئتنا المحيطة وللمجتمع؛ لهؤلاء الناس الذين لا نعرفهم ولا نهتم بهم، ومع ذلك نجدهم يشكلون كيانًا قويًّا له سلطة نافذة على حياتنا اليومية. وعلى المدى الطويل، تتأثر قراراتنا بهم وبآرائهم وبأفكارهم وبالصورة التي يروننا بها. وهذا لأننا نهتمُ بصورتنا، وكيف نبدو في أعين الآخرين بدلًا من إظهار شخصياتنا الحقيقية. جميعنا
.يرتدي أقنعة لنتخفَّى وراء هوية نريدها أن تعبّر عنا
إننا نحيا نصف حياة، تجاربنا أقل، حياتنا مقيَّدة. نعيشُ لتنفيذ خطة أو تحقيق فكرة. لا يُسمَح لنا إطلاقًا
باستكشاف الأشياء بطريقتنا. إن هوسَ الناس بالظهورِ بطريقة معينة وفي صورة مثالية ليُكتَب لهم القبول المجتمعيّ ربما كان أكثر أنماط الحياة تصنّعًا وقلقًا وخداعًا، إذ يعني ذلك ببساطة أن معظمنا يعيش دون أن يدري حياةَ شخص آخر؛ حياة متوافقة مع معايير وضعها الناس من حولنا
ولكن هل لدينا خيار آخر؟ معظمنا يريد الانسجام. فالبشر بطبيعتهم لا يرغبون في الانعزال، ولهذا نريد أن يتقبلنا
.الناس من حولنا، فنمنحهم قدرًا كبيرًا من التحكم في حياتنا
نمنح قيمة لمثل هذه التفاهات. على سبيل المثال، جميع خياراتنا في الحياة نتخذها منذ الصغر بناء على ما تقرُّه الأعراف الاجتماعية. نحافظ على أن تبدو سلوكياتنا "عادية" للحفاظ على صورة معينة. كل ما نفعله خاضع للسيطرة، هناك حد مسموح للضحك وحد مسموح للبكاء بل وكل قول نلفظه لا بد من تهذيبه. نكبُر ونلتحق بالمدارس، وجميعنا يريد أن يكون محبوبًا من زملائه في الفصل، فنجاري الاتجاهات السائدة. نرتدي ونتحدث بطريقة معينة، ونختار الاستماع لموسيقى محددة، وننتقي أصدقاءنا. نفعل كل ذلك بدافع رغبتنا فقط بأن يقبلنا الآخرون وأن نكون جزءًا من المجموعة
ثم نصبح شباباً يافعين، وعندها يصير تفاعلنا مع الآخرين محكومًا بضوابط. وتصبح الطريقة التي نخاطبهم بها
وأسلوب حديثنا معهم أهم مما نقول
نُصدِر على الناس أحكامًا بناء على مظاهرهم وكلامهم بدلًا من نواياهم وشخصياتهم. معدن الإنسان الحق
.يعني لنا شيئًا
وبدلًا من أن نقيس نجاح الإنسان بالفارق الذي يصنعه، نقيسه بما لديه من مال وممتلكات. الشغف والطموح لا
.يعنيان لنا كثيرًا أو ليس لهما قيمة على الإطلاق
.نقيس الجمال وفقًا لغلو أثمان ملابسنا وبريق مكياجنا
.نقيس التعليم باسم الجامعة وطلاقتنا في التحدث بالإنجليزية
.أعيش في مجتمع يمنح قيمة للمظهر دون الجوهر
.يدفع الآباء أطفالهم لاختيار جامعات وشهادات تدر عليهم مالًا وفيرًا بدلًا من تشجيعهم على تحقيق أحلامهم
نصدر أحكامًا على الشخص الهادئ المنعزل ونتجاهل الصراع الذي قد يعتمل في صدره. لا نضع احتمالًا لوجود سبب يبرر سلوك هذا الشخص. مرة أخرى، نُقيِّم الظاهر فقط، الجزء الطافي على السطح
نقيس الأفراح بحجم الإنفاق والإبهار بدلًا من مقدار الحب الحقيقي. نقيس الزواج باتساع البيت وعدد الأولاد لا بحُسن العلاقة
المفارقات تملأ محيطي. أرى الناس يتعلمون لكسب لقمة العيش لا ليصنعوا حياة. لقد تعلمنا من أجل أن نبني منازلًا من حجارة لا بيوتًا تملأها الحياة. لقد تعلمنا أن نتصنَّع السعادة لا أن نعيشها. أمامنا حلول لجميع مشاكلنا، ولكننا لم نضع أيدينا على موطن الداء. ندعي معرفة كل شيء وكل شخص، وفي الحقيقة أن نجهل ذاتنا نفسها. ننتظر أيامًا، ننتظر لحظات، ننتظر نتائج، ننتطر ويطول الانتظار كثيرًا حتى نبدأ فقط حياتنا. نختار اللحظات التي نريد أن نعيشها وننسى أن جمال الحياة في غموضها وفي تكشُّف الأشياء لنا تباعًا
جمال الحياة يكمن في تفاصيلها الصغيرة؛ تلك التفاصيل التي لا تُحكَى بل تُحَسُ فقط، مثل ابتسامة رقيقة، كلمة
لطيفة، نصيحة صادقة، ضحكة مع صديق، دفء حضن الأم، قلب طفل بريء. إنها التفاصيل الصغيرة التي بسببها تكبُر الحياة في أعيننا.
ولكننا لدينا مقاييس، رقمٌ لكل شيء. لا نقيم وزنًا للمجردات، للأشياء التي لا قياس لها، للاختلاف، للاضطراب. هذه هي المفارقة الكبيرة في الحياة، نحيا حياة قاسية حتى أننا بالكاد نحيا. نلوم المجتع على كل شيء وننسى أننا نحن المجتمع.
Comentarios