الأعراف الثقافية – دينٌ على المقاس
- زرقاء
- Jan 24, 2019
- 3 min read

.لا تخلطوا الدين بالثقافة، فالأول إلهيّ والآخر بشريّ
أطلقتُ هذه العبارة بحذافيرها منذ أيامٍ قليلة، بعد أن سئمتُ من بعض المعايير المزودجة التي أراها حولي. حياتي حافلة
بالمواقف التي يختلط فيها الدينُ بالأعراف الثقافيّة ويُستُخدَم لتبرير قناعات أو دعم تفضيلات شخصية. هذا الخلط أراه سامًا؛ أن تخلط الدين (وأعني هنا الإسلام) بالأعراف الثقافية فهذا معناه خلطٌ للماء بالسُم
تعلمتُ أولَ ما تعلمتُ وأنا طفلة صغيرة عن ديني، الإسلام، وكان ذلك في البيت. تعلمت شعائرَه الأساسية وأركانَه والقرآن
ومعانيه. وتعلمتُ القيمَ التي يحثُّ عليها ديننا؛ قيمُ المساواة والسلام والاحتشام والعدل والإيمان والعطف والصدقة وأهمية العلم والتسامح والأخلاق والنزاهة والبساطة والتواضع. ولا أزال أتذكر والدتي في طفولتي المبكرة وهي تحكي لنا قصصَ الأنبياء قبل النوم، موسى وإبراهيم ويوسف ومحمد عليهم السلام. ومع كل قصة نتعلم عظة أو درسًا. كبرتُ وقد تشكّلت لدي رؤية ما للحياة وارتسمت في ذهني توقعات حيالها، ولم أكن قد اشتبكت بعدُ في هذا العمر الصغيرِ بالواقع القاتِم بالأعراف الثقافية والمجتمع من حولي
وبطبيعة الحال، أخبروني أن ديننا منهج حياة شامل، ولم يكن لدي غضاضة حينها في قبول هذا الرأي، لأنها كانت الحقيقة الوحيدة التي عرفتها في هذا الوقت.
رأيتُ جمالَ ديني وحكمة تعاليمه وقيمه. رأيت فيه طريقًا مستقيمًا يهدي الشخص إلى تمييز الصواب من الخطأ.
ولكن الواقع صدمني عندما كبرتُ، رأيت الدين يُختزَل ويتم التعامل معه من منظور جامد هو الجنة والنار.
لا يتم التعامل مع الدين (الإسلام) باعتباره منهجَ حياة شامل، بل في الحقيقة يستخدمه الناس فقط كأداةٍ لتبرير نمط حياتهم المفضّل. يستخدم المجتمعُ الدينَ بانتقائية، يُنشئ المجتمعُ أعرافًا ثقافية ويسوغ مبررات وجودها ويسوق أدلةً على صحتها باسم الدين؛ لأنه متى استُخدمت كلمة "إسلام" أو "دين" بطريقة أو بأخرى، أُغلِق باب السؤال، ما يعني اتباع أعمى وقبول مجتمعيّ. والسؤال هنا: هل هذه تعاليم ديننا؟
دين له كتاب مقدس يحث الناس مرارًا على التفكّر (أفلا تتفكرون) (إن في ذلك لآيات لأولي الألباب)، دين يحضّ على التسامح والتعايش والمساواة "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم. إن الله عليم خبير" الحجرات: 13
فكيف لنفس الدين إذا أن يُستخدَم لتبرير عكس ما يحض عليه، أعني التعصب والغرور والخضوع الأعمى والزيف والعنصرية وما إلى ذلك؟
أعتقد أن الأعراف الثقافية تهدف إلى خلق هذا الوهم لكونه أكثر طريقة طبيعية ومتسقة للحياة في أي مجتمع. وهنا أوجه سؤالي للمجتمع وناسِه المفترض بهم أنهم يضعون الدين فوق الأعراف الثقافية، أين الخط الفاصل الذي ترسمونه بين الأعراف الثقافية والدين؟ متى تحددون ما هي الأعراف الثقافية وما هو الدين؟ وكيف سيحقُ لنا السؤال عن سلوكٍ ما إذا كانت كافة أشكال السلوك توضع بطريقة أو بأخرى تحت مجهر الدين؟ بل وكيف تقررون ما ينبغي فعله في الحياة؟ إن كل شيء خُطِّطَ له ووضع وفقًا لخطة تخلط بين الدين والأعراف الثقافية
أتساءل دائمًا لماذا لا يعترض الناس على الاستخدام الانتقائي للدين كأداة ثقافية. لماذا يوجد هذا الخلط بين الأعراف الثقافية والدين، وما سر تسامح الناس غالبًّا مع هذا الخلط؟
على سبيل المثال، لماذا لا نرى الهوسَ بتغطية النساء لأجسادهن ومظهرهن البدني ينطبق على أفعال أخرى تقوم بها النساء مثل الغيبة والنميمة والتفحش في القول مع الآخرين؟
لماذا تشيغ ثقافة إخراج الصدقات ولكن بداعي الرياء؟
كيف لثقافة أن تحثّ على الكبر والفوقية تدعي الانتساب لدين المساواة؟
لماذا يلمز مجتمع امرأة بسبب خطاياها ويتحدث عن عقوبتها الدينية ويتجاهل بل ويقبل بوقوع نفس الخطايا إذا ارتكبها رجل؟
لماذا يدعم مجتمع مفهوم قوامة الرجل على زوجته ولا يحاسب الرجل أبدًا على تقصيره في واجباته نحو زوجته؟
لماذا يُقبَل في ثقافة ما وصمَ سيدة مطلقة، في حين أن الدين لا يحض على ذلك مطلقًا؟
لماذا يشيع وتُقبَل خيانة الأزواج ولا يُسمَح للرجال والنساء أن يتزوجوا من يختارونه؟
الأعراف الثقافية صناعة بشرية، كائن حيّ، تتغير مع الوقت ولكننا ننزلها منزلة القداسة في حياتنا. نمنحها هذا المنزلة
لنضمن الطاعة المطلقة. يهالني أن كثيرًا من الناس يعترفون بوجود معايير ثقافية مزدوجة، يدركون اساءة استخدامها وهيمنتها على الدين، ومع هذا لا يزالون مستمرين في دعم هذه الأعراف الثقافية والتمسّك بها. وسؤالي هنا: لماذا؟ وإجابتي الوحيدة على هذا السؤال هي لأن الناس خلقوا دينًا على المقاس. دين يتحوّل لأداة تبرّر دعم الرغبات الشخصية أو الحفاظ على نسق اجتماعي محدد. ومن السهل تجاهل هذا الدين إذا تعرّضت هذه التفضيلات للخطر. إنها المنزلة الإلهية للأعراف الثقافية التي تضبط حياتنا، تضع لنا القواعد، تتحكم فينا، تصيغ معالم طريقنا، وترسم لنا الخطوط الحمراء. بينما الدين يفعل النقيض، يمنحنا مبادئ الحياة الأساسية، يسمح لنا بالاختيار ولكن الثقافة تصنع الاختيارات لنا.
أؤمن بأننا لسنا صنيعة أعراف ثقافية، بل نحن من نصنع هذه الأعراف على الدوام بسلوكياتنا واختيارات حياتنا. لذا، إن لم تجلب لك تلك الأعراف الثقافية السعادة، فلا تشتريها، بل اصنع سعادتك بنفسك. ولكن، تظل دائمًا الأقوال أسهل من الأفعال، لأن الأعراف الثقافية هي الدين الجديد للكثيرين.
أفهم أننا كبشر نحتاج أن نكون جزءًا من جماعة. وهذا بكل دقة هو هدف الأعراف الثقافية، أن تجعلك تشعر وكأنك جزءًا من مجموعة تتشاركون نفس المعتقدات والقيم. ومع ذلك فإن المشكلة تكمن في "الحصرية الثقافية"، استحضار الماضي والهوس به والرغبة في استمراريته. ما يعني أنه لا مجال للتغير والنمو أو أي نوع من حرية الفكر والاختيار. أجواء خانقة. وما أريد أن أوصله هنا أنه لو كنت ستفعل ذلك، فعلى الأقل أخرج الدين من المعادلة. لا تقدم تأويلاتك لنصوص القرآن والأحاديث لتدعم بها أجندة شخصية ترغب في تنفيذها.
Comments