top of page

الآخَرِيَّة.. عالم منقسم وزيادة في معدلات الإرهاب عالميًّا

  • زرقاء
  • Mar 27, 2019
  • 4 min read

"نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية في صحيفة "ميدل إيست مونيتور

"othering and belonging" "لقد أصبحت "الآخَرِيَّة والانتماء

من الموضوعات الشائعة، ومن أكثر المسائل الشائكة في القرن الحادي والعشرين. وكلاهما انعكاسات لقوميات الدول

والهويات المتجانسة التي تسعى جاهدة لإرساء فكرة "نحن" مقابل "هم"، كما أنهما يتطلبان نوعًا من "الافتراق" الذي

"يُحدد من خلاله مدى "انتمائنا

من هو الآخر؟ كل شيء في حياتنا تقريبًا يحدد مقارنة "بالآخر". وهذه "الآخَرِيَّة"، التي تؤدي بدورها إلى استبعاد "الآخرين" من عالمنا "نحن"، تحدث داخل العقل ومن خلال أيديولوجيات وسياسات وقواعد وقوانين وثقافة رسمية

فـ"نحن" نتمتع بقيمة وقدر أكبر مما يتمتع به "الآخر"، الذي هو أدنى منا منزلة وأقل حقوقًا. ومن ثم فـ "نحن" نعرّض "الآخر" للتمييز العنصري. وكما يوضح ستازاك قائلاً إن "الآخَرِيَّة" تحدث من خلال الصورة النمطية وفي ظل وجود نوع من الطمأنينة "من شأنها أن تريح ’الذات‘ تجاه شعورها بالأفضلية".

و"الآخر" هو ما لا نفهمه أو لا نريد أن نفهمه؛ فـ"الآخر" شيء مختلف. لكن ألسنا جميعًا مختلفين؟ فلا يوجد شخص مطابق للآخر. إلا أن تصور المجتمع يتجه نحو الاعتراف بالجماعية وتجاهل الفردية. والجماعية تسعى للحد من خبرات البشر من خلال جمعنا في قالب واحد ومن ثم توجيه اختياراتنا والتأثير في تفكيرنا وسلوكياتنا.

و"الآخر" هو كبش الفداء لجميع المشكلات والأسقام التي تواجهها "الذات" وهو المبرر لوجود السياق المجتمعي الصارم المحكوم بضوابط.

منذ أن وقعت هجمات نيوزيلندا الإرهابية وأنا أفكر فيما تعنيه كلمة "آخر" وفي سبب انقسام عالمنا لهذا الحد. وكان ملخص بحثي الأخير أننا نعيش في عالم سياسي من الدرجة الأولى، فيه كل شيء جزء من مشروع سياسي بدءًا من الطعام الذي نأكله وحتى القرارات التي نتخذها والتعليم الذي نتلقاه، بل والكلمة التي ننطق بها. كما أن نظرتنا لمن حولنا قائمة أيضًا على تلك الأفكار المشحونة سياسيًّا.

فما أراه من حولي ليس إلا بشرًا مختزلين في فئات وأسماء وألقاب. وهذا ما أسميه إضفاء طابع العلامة التجارية على البشرية.

عالميًّا، يوجد العديد من الأطر المتعلقة بفلسفة "الآخر" التي أحدثت اختلافات وتصورات هيكلية لمفهوم "الآخَرِيَّة". ومن أمثلة ذلك احتجاز ذوي الاحتياجات الخاصة ونعتهم بالخطورة، وتحديد طوابير منفصلة للأشخاص من جنسيات مختلفة، وتخصيص مداخل للأماكن العامة لدخول الناس وفقًا للمجموعات العرقية والاقتصادية والجنسية التي ينتمون إليها

إننا نعيش في عالم مليء بالتناقضات. فقد زادت معدلات "الآخَرِيَّة" تزامنًا مع الزيادة العالمية في التنوع كواقعٍ وكمفهوم. لكن هل يؤمن الناس بالتنوع حقًّا؟

إننا نختلق تصنيفات تعزز من عدم تواصلنا؛ وهذه التصنيفات مبنية على العرق واللغة واللون والإعاقة. والحق أننا لسنا منفصلين ولا متفرقين، بل إن لدينا جميعًا ما يربط أحدنا بالآخر، ولكن أنى لنا أن نتعلم الاحتفاء بهذه الحقيقة في حين أن كل ما حولنا يبث في نفوسنا العكس؟

فقد ترسّخ مفهوم "الآخرية" في أذهان الناس منذ نعومة أظافرهم من خلال المؤسسات التعليمية والأسر والمتاحف والأماكن العامة. وإضافة إلى ذلك، فإننا نتعرض يوميًّا لكل ما يذكرنا بفرقتنا لا بوحدتنا؛ متمثلاً في الإعلانات التجارية التليفزيونية وحملات الوسائط الاجتماعية ولوحات الإعلانات ونظم اللغة وغيرها الكثير. وقد تُفرَض فكرة "الآخَرِيَّة" أيضًا على أفراد من المفترض أن تجمعهم ثقافة واحدة، حيث توجد الانقسامات على مستوى الطبقات الاجتماعية وألقاب العائلة واللغات والأنساب والأعراق.

لقد ساهم التوجه نحو مبادئ "الآخرية" - تلك العملية السياسية والاجتماعية والاقتصادية - في خلق "هويات دفاعية". فنحن نشهد الآن زيادة في معدلات "نحن الدفاعية" في مواجهة تهديد "الآخرعلى مستوى العالم وفكرة "نحن الدفاعية" هذه مستوحاة من مفهوم خضوع الهويات لتهديد "الآخرين"، بمن فيهم المهاجرون وغيرهم من الجماعات المهمشة. لذا وجب علينا أن نسأل أنفسنا، هل هذا تهديد حقيقي أم أنه مجرد توهم بالتهديد؟ وإن كان توهمًا فمن الذي اختلقه؟ وكذلك، يجب أن نعترف أن الثقافة والعادات مسلمات بشرية مائعة. فلماذا توجد هويات مستقطبة إذن؟ وإلى أي مدى ندرك أنها كلها جزء من مشروعات وأيديولوجيات وأجندات سياسية؟

لقد ظهرت عدة حالات على مستوى العالم مؤخرًا كانت انعكاسًا لمدى قوة مبدأ "الآخَرِيَّة" ونوعية المجتمعات العنيفة والمنقسمة التي قد تنتج عنه. فقد زادت مشاعر مناهضة الهجرة وأيديولوجية سيادة البيض منذ فوز دونالد ترامب بالانتخابات، مما أدى إلى شن هجمات ضد ذوي البشرة الملونة وأصحاب الديانات المختلفة،

حيث ساهم التوجه الفكري الذي ينتهجه ترامب والذي يعزز استعلاء البيض والعرقية في زيادة حركات من قبيل حركة "حياة السود مهمة". وقد كانت تلك الحركة استجابة للعنصرية النظامية ضد الأمريكان الإفريقيين؛ إذ كانت حركة المقاومة تعبر عن حقهم في الانتماء لكنها في الوقت نفسه كانت تعزز حقيقة أن حياتنا عبارة عن قوالب محددة، ومع هذا لا نتمتع بالمساواة في هذه القوالب.

ومن أمثلة "الآخَرِيَّة" العرقية تجاه أصحاب البشرة الملونة أيضًا، قضية إلهان عمر، أول مسلمة صومالية أمريكية تنتخب في مجلس النواب الأمريكي. فقد تعرضت لهجمات عرقية نتيجة تصريحاتها السياسية عن إسرائيل وأرغمت على الاعتذار عنها، بل ورأى ترامب أن تستقيل بسبب تعبيرها عن رأيها ببساطة.

ومن بين الأمثلة التي توضح مدى خطورة فكرة "الآخَرِيَّة" الهجمات الإرهابية التي شهدتها نيوزيلندا على مسجد كرايستشرش. فقد نشر القاتل بيانًا رسميًّا معاديًا للمسلمين أوضح فيه أيديولوجيته وأثنى على منهجية استعلاء البيض التي ينتهجها ترامب "لتجديد الهوية البيضاء". كما أعرب بوضوح عن تنحية المسلمين المهاجرين بل والإسلام نفسه جانبًا، وألقى عليه باللائمة في كل ما يعانيه الغرب من أسقام. إنها أيديولوجية "الآخَرِيَّة" تلك التي أظهرت المسلمين شياطين في أعين هذا الإرهابي ودفعته إلى قتل مواطنين أبرياء بمنتهى القسوة.

وفي الخليج، ثمة حالة تعكس مبدأ "الآخَرِيَّة" وشيطنة "الآخر" بجدارة؛ ألا وهي حالة صفاء الهاشم، العضو النسائي الوحيد المنتخب في البرلمان الكويتي بالإجماع منذ أن منحت المرأة الكويتية حق التصويت عام 2005. فقد ردت الهاشم ردًّا عنيفًا حين رفض البرلماني محمد هايف الجلوس بجانبها بسبب معتقداته الدينية التي تحرم الجلوس بجانب امرأة متعطرة. فقد عاملها من منطلق مبدأ "الآخَرِيَّة" لمجرد كونها امرأة! غير أن صفاء الهاشم اتخذت موقفًا أعنف وتبنت فكرة "الآخَرِيَّة" بشكل أكبر بتعليقاتها العرقية والتي تكاد تكون مهينة للكرامة الإنسانية حول المغتربين في دولة الكويت. فقد دعت بلا حياء لفرض ضريبة على "المغتربين مقابل الهواء الذي يتنفسونه على أرض الكويت بل ومقابل سيرهم في طرقاتها". ومع كون المغتربين يشكلون 70% من سكان الكويت، فقد ادعت تلك الدعوى الجائرة بأنهم لا يسهمون بأي شيء إيجابي في المجتمع، وحقيقة أنها لا تزال شخصية عامة تمثل صورة إيجابية للمرأة الكويتية في عالم السياسات يثبت مدى التهاون مع تلك الأيديولوجية، بل ويوحي بأنها قد تصبح أيديولوجية شائعة في المجتمع بأسره. لقد أثار تصرفها أسئلة ملحة حول التركيبة السكانية والتوجهات المستقبلية داخل المجتمع الخليجي. فقد اتضح تأثير الأيديولوجيات في المجتمعات وأن بإمكاننا استخدامها إما لتكوين مجتمعات مترابطة وإما لاختلاق الانقسامات والنزاعات. كل ما ذكر آنفًا من أحداث قد يحدث في بقاع مختلفة من العالم، لكنها جميعًا تتفق فيما بينها على عامل مشترك واحد؛ ألا وهو النظر إلى "الآخر" باعتباره إنسانًا أقل منزلة "وأقل حقًّا في الحياة من الذات

إذن كيف يمكننا أن نمضي قدمًا نحو عالم أكثر سلامًا يُبنى على أساس قيم التعاون والاحترام والتفاهم المتبادل والتراحم والسلام إذا كانت الأيديولوجيات المتطرفة القائمة على "الآخَرِيَّة" لا تزال تُختلق ويتهاون في نشرها على مستوى العالم؟

وإذا لم نأخذ تلك الأيديولوجيات المتطرفة والعرقية مأخذ الجد ونتعاون بفاعلية في مناقشة أسبابها الأصلية، فكيف

يحق لنا أن نندهش حين تؤدي إلى شن هجمات إرهابية من قبيل تلك التي شنت على مسجد كرايستشيرش؟

حقوق الصورة

https://www.moma.org/interactives/exhibitions/2015/onewayticket/panel/49/

Comments


  • Grey Facebook Icon
  • Grey Twitter Icon
  • Grey Google+ Icon
bottom of page